fbpx

For better web experience, please use the website in portrait mode

OK

مدينة الشارقة المستدامة تعيد تصميم الحاضر لضمان مستقبلٍ أفضل

رأي فبراير 25, 2021

على مرّ التاريخ، سعى الإنسان دوماً إلى العظمة والتألق من خلال الهندسة المعمارية، وأول حجر أساس شيّده كان لهذه الغاية. من هنا، تسابقت الحضارات إلى تصوّر وتصميم وبناء مدن خيالية طبعت آثار لا تنسى حتى يومنا الحاضر. كان لجميعها هدفاً مشتركاً واحداً: المستقبل! في هذا الإطار، نواصل اليوم هذه الرحلة نفسها لتطوير مجتمعات عصرية ومدن حديثة ستعكس بداية حقبة جديدة من التطوّر.

تعدّ الكوارث الطبيعية والتغيّر المناخي من المشاكل الناتجة عن إستهلاكنا العشوائي للموارد حيث تؤثر بشكل ضار وجذري على عالمنا. ولكن على الرغم من إدراكنا لحدود الموارد الطبيعية المتاحة، نبقى مسؤولين عن مواجهة هذه الأخطار الداهمة. وإذا استمرّت هذه الكوارث الطبيعية بالتزايد، سنكون أمام خطر حقيقي تربكنا نتائجه ولن نكون قادرين على التصدّي لهذه الكوارث بنجاح؛ وبالتالي يجب أن يتغيّر نمط عيشنا، خاصةً كيفية إنتاجنا للطاقة واستهلاكها، وتقليص كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي الناتجة عن إنبعاثات المركبات والتي تشكّل خطر بيئي وصحي كبير، إضافةً إلى الإستهلاك المفرط للموارد الطبيعية ما سيؤدي إلى ندرتها عند الأجيال القادمة. أضف إلى ذلك، ينشأ النقص في الموارد الطبيعية جرّاء تلوّث التربة بالمخلفات والقمامة، وتلوّث المحيطات من تراكم الكيماويات والمواد السامّة، وصيد السمك الجائر الذي يتسبّب باستنفاذ الطعام في المستقبل. جميع هذه المشاكل تم إكتسابها تدريجياً من جيل إلى آخر، وهي تترك حتى يومنا هذا مزيداً من العقبات حيث لم يعد أمامنا حلّ سوى مواجهتها.

رؤيتنا لحلّ هذا الخطر المحدق بنا تكمن في خلق مفهوم جديد للعيش، يعالج المشاكل البيئية التي نواجهها اليوم، ويهدف إلى توفير مستقبل أفضل للإنسان ومحافظين في نفس الوقت على تقاليدنا وتراثنا المفعم بالحياة. تصوّروا مجتمعاً متكاملاً يوفّر لسكانه فرص متنوّعة للإستمتاع بجودة حياة عالية، ومدينة ذات معاييرعالمية تسعى جاهدة لتحسين اقتصادها وبيئتها وصحة سكانها ورفاهيتهم. تخيّلوا مشروعاً مكتفئاً ذاتياً ومستداماً تتّصل مرافقه ببعضها البعض، حيث المحافظة على البيئة أولوية فيه، والقاطنين فيه ينعمون بأسلوب حياة مُنتج وصحي. قد يبدو ذلك بمثابة تحدٍ كبير، لكنه أصبح واقعاً بفضل الشراكة الاستراتيجية بين هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) و “دايموند ديفلوبرز”، الشركة المتخصصة في تطوير المشاريع البيئية المستدامة في دولة الإمارات، التي تهدف إلى تطوير مدينة الشارقة المستدامة.

في قلب الشارقة وبالقرب من منطقة الرحمانية، نشأ أول مشروع عصري متعدّد الإستخدامات في إمارة الشارقة، حيث تقدّم مدينة الشارقة المستدامة أعلى معايير الإقتصاد الأخضر والإستدامة البيئية، ومصمّمة بطريقة مثالية واستراتيجية لتأمين ركائز الإستدامة الثلاثة: الإقتصادية والإجتماعية والبيئية.

من خلال دمج الطابع التراثي مع الشكل العصري، يضم هذا المشروع 1120 فيلا و 100 شقة سكنية مصمّمة خصيصاً لتأمين الراحة والفعالية لسكانها. مدينة الشارقة المستدامة تقدم تصميم تقليدي مدمج بطريقة صحيحة مع التصميم الحديث، يحمل العديد من الفوائد الإجتماعية والبيئية التي يمكن تطويرها من خلال تخطيط مدني مبتكر وتكنولوجيا ذكية متقدّمة.

يبقى السؤال هنا، ما هو الأمر التقليدي والتراثي في مدينة الشارقة المستدامة؟ التراث يبدأ من دمج الفلل بالطبيعة مع المحافظة على ترابط وثيق مع المجتمع المحيط بها، ما يشكّل بيئة إجتماعية متكاملة. تصاميم الفلل مميزة وفريدة إلا أنها تحافظ على طابعاً تراثياً وثيقاً من  ناحية توفير الخصوصية المطلوبة مع الحفاظ على الهدوء والشعور بالإرتباط المكاني. وكما أن شجر الغاف والنخيل هي جزء من تراثنا، حرصنا على غرسها في كل مكان من أجل إضفاء شعور أكثر بالأصالة.

من ناحية أخرى، ما هو الأمر العصري والمستحدث في مدينة الشارقة المستدامة؟ أولاً هذه المدينة تناسب جميع الأفراد والعائلات الباحثين عن منزل للمستقبل حيث يكون إستثمارهم لمدى الحياة. الفلل مبنية وفقاً لأعلى المعايير البيئية باستخدام أكثر المواد والتجهيزات كفاءةً وتعمل بواسطة ألواح شمسية مثبّتة بشكل مبتكر على جميع الأسطح. وتم تضمين المزيد من الإبتكار في التصميم من خلال إعتماد أنظمة التنقّل الذكي مثل المركبات الذاتية القيادة ومحطات الشحن الكهربائية.

Beautifully designed villa in the sustainable city of Sharjah

التصميم الذكي لهذا المشروع سيخدم الحياة الإجتماعية من عدّة نواحي. أولاً، تحيط وتحمي مداخل المدينة ثلاث بوابات عالية تعكس بوضوح جواً من الطمأنينة والأمان،حيث باستطاعة الأطفال اللعب في مناطق خالية من السيارات وفي السكيك، في حين يستمتع الأهالي بالمشي في المناطق الخضراء الخلّابة. وإضافةً إلى راحة البال التي توفّرها مدينة الشارقة المستدامة، يمكن للسكان تبنّي أسلوب حياة صحي ونشيط من خلال المساحات الخضراء التي تحيطهم وتنسيق وزراعة حدائقهم الخاصة. في مدينة الشارقة المستدامة، كل ما تبحث عنه هو على بعد خطوة منك بسبب التخطيط الذكي للطرقات التي تربط كل شيء ببعضه لجعل المسافات أقرب.

إلى جانب النتائج الإجتماعية الإيجابية، يقدّم تصميم مدينة الشارقة المستدامة حلولاً بيئيةً مهمّة من عدة جوانب. أولاً، يشجّع التخطيط المتقن للمشروع على الزراعة المدنية والبستنة من خلال الزراعة العمودية التي لا توفّر المساحات وتزيد من المناطق الخضراء في المشروع فحسب، إنما أيضاً تعطي مشهداً جمالياً رائعاً وتخلق مسكناً طبيعياً للحيوانات داخله. كما أن الفلل والشقق محاطة بعناية بأشجار خضراء طويلة تؤمّن الظل اللازم، وتم بناؤها باستخدام طلاء عاكس للأشعة فوق البنفسجية ونوافذ زجاجية مزدوجة لتجنّب أشعة الشمس المباشرة وامتصاص الحرارة مما يقلّص من حمولة المكيّفات واستهلاك الطاقة.

لن تكون الطاقة الجانب الوحيد الذي سيعالجه التصميم العصري لمدينة الشارقة المستدامة، سيتم أيضاً تجهيز الفلل بتجهيزات موفّرة للمياه التي تقلّل من استهلاكها وبالتالي التخفيف من إنتاج الكربون، كما سيتيح التصميم الفعّال للوحدات السكنية ريّ كافة المساحات الخضراء بمياه الصرف الصحي المعالجة. وبهدف تحقيق تخلّص كامل من النفايات، حثّت مدينة الشارقة المستدامة قاطنيها على اعتماد ممارسات ملزمة لتقليل إنتاج النفايات وفرزها وإعادة تدويرها، حيث سيتم نقل النفايات العضوية إلى مركز للغاز الحيوي داخل المشروع الذي سيعالجها لإنتاج الكهرباء، بينما سيتم إعادة تدوير النفايات الأخرى بالتعاون مع شريكنا المعتمد لإدارة النفايات، هذا وحده يبرهن مدى تقدّم مدينة الشارقة المستدامة.

نواجه اليوم العديد من المشاكل التي يتعيّن علينا إيجاد حلول لها، في الواقع يتعيّن على المهندسين المعماريين الذين يجسّدون مفتاح المستقبل استخدام إبداعهم لحل المشاكل التي نواجهها اليوم وفي المستقبل أيضاً. إن تخيّل مستقبل مختلف عن الواقع يكون من خلال السعي وراء معيشة أفضل والتخلّي عن نمط الحياة الذي نعيشه اليوم، لذلك تقوم مدينة الشارقة المستدامة بتغيير الحاضر إلى أفضل من أجل المحافظة على المستقبل، وطرح أفكار سبّاقة مبنيّة على معظم ما ننعم به اليوم، يجب أن نسخّر جميع الموارد المتاحة حالياً لتصميم وإنشاء مدن أكثر استدامة، معيار العمل الذي سنقوم به يحدّد مدى تقاعسنا أو تقدّمنا، حيث أن تنظيم مدننا هو أمر واجب عندما يتعلّق الأمر بأسس حياتنا، يجب أن ننظر إلى المدن بشكل مطلق لفهم المعنى الكامل للتنمية الحضرية والإستدامة، ونطمح أن نصبح أشخاص مثاليين، متسلّحين بعقول خلّاقة وأرواح خالدة ومشاعر إنسانية. كما  نتوق إلى خلق إحساس جديد بالإرتباط مع محيطنا، ومع مختلف الأشخاص حول العالم، وكذلك مع الأجيال القادمة.