fbpx

For better web experience, please use the website in portrait mode

OK

أهمية حلول السكن المستدامة في تأمين مستقبل أفضل

رأي فبراير 18, 2023

يُعد المأوى، إلى جانب الطعام واللباس، من أكثر المتطلبات الأساسية التي يحتاج إليها الإنسان. ويواجه العالم اليوم تحديات بيئية، مثل التغير المناخي وخسارة التنوع الحيوي والتلوث، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الطلب على العقارات السكنية والتجارية، والنمو السكاني، الذي يُتوقع أن يصل إلى 8.6 مليار نسمة بحلول عام 2030 وإلى 9.8 مليار نسمة بحلول عام 2050.

وسيحتاج 3 مليارات شخص إلى منازل جديدة بحلول عام 2030، بالإضافة إلى حوالي 300 مليون منزل جديد، أو نحو 21 مليون منزل جديد سنوياً. وتنعكس هذه التوقعات على شكل زيادة في الطلب على البناء والمواد المرتبطة به، بما في ذلك الفولاذ والزجاج والطوب والإسمنت، ثاني أكثر مورد استخداماً على الإطلاق بعد المياه.

وتؤدي التوقعات أيضاً إلى استنزاف موارد طبيعية نادرة أساساً، ولا سيما التربة والمياه العذبة، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الطاقة، مما يسهم في انبعاثات غازات الدفيئة. وتُعد الأبنية التجارية والسكنية مسؤولةً عن أكثر من ثلث الطاقة المُستهلكة والانبعاثات المرتبطة بالطاقة، حيث تتسبب بنسبة 39% من انبعاثات الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة، والتي تتألف بنسبة 28% من الانبعاثات التشغيلية، أي من الطاقة المُستخدمة للتدفئة والتبريد وغيرها، وبنسبة 11% من عملية البناء والمواد المستخدمة، بما في ذلك الفولاذ والإسمنت والزجاج.


يوسف أحمد المطوع – المدير التنفيذي

الحلول تكمن في المشروعات المستدامة وصناعة السياسات بطريقة فعالة
بالنظر إلى هذه التوجهات التحذيرية، يحتاج العالم إلى تكثيف الجهود لإضفاء الاستدامة على المشروعات العقارية، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكثر مناطق العالم ندرةً في المياه وموطن بعض أكثر المناطق حرارةً في العالم. وتتضمن هذه الجهود إعادة التفكير في مواد البناء المُستخدمة وتطبيق لوائح تنظيمية أكثر صرامة لضمان أقل تأثير ممكن على الطبيعة خلال دورة حياة المشروعات في القطاع، بدءاً من وضع الخطط ووصولاً إلى الإنشاء، ومن بدء الاستخدام إلى الهدم والتخلص من النفايات.

وتتمثل الخطوة الأهم في تحديد الحلول المبتكرة والعملية وتوسيع نطاقها واستعراضها على منصات عالمية مختلفة.

وتتضمن هذه المنصات القمة العالمية للحكومات 2023، التي استضافتها دبي بين 13 – 15 فبراير 2023. وشهدت القمة حضور حوالي 10 آلاف مشترك، من بينهم رؤساء، ووزراء، ومسؤولون حكوميون، ورؤساء مؤسسات وشركات عالمية، بالإضافة إلى قادة فكر، وخبراء عالميين، وقادة أعمال بارزين، حيث شاركوا رؤاهم وناقشوا أفكارهم واستراتيجياتهم المستقبلية.

وركزت إحدى الموضوعات الرئيسية في القمة على تصميم المدن العالمية والاستدامة، نظراً لأهمية الاستدامة في القطاع العقاري. وشكلت القمة منصةً حيويةً لمناقشة دور الحكومات في إنشاء مدن مستدامة بشكل أفضل، لا سيما في ظل التوسع الحضري السريع الذي نشهده، وكيف يمكننا اعتماد بنى تحتية مدعومةً بالاستدامة والتفاعل مع المجتمعات وتعزيز الطاقة النظيفة وجهود إزالة الكربون.

الإمارات العربية المتحدة تمهد الطريق نحو الحياة المستدامة
تصدرت دولة الإمارات، بفضل جهود قيادتها الحكيمة، جهود تعزيز الحياة المستدامة وشكلت مثالاً يُحتذى به من خلال مبادراتها، من بينها المسار الوطني للحياد المناخي 2050 وخطة وطنية لطرح معايير جديدة في استدامة المباني والطرق والمنازل، حرصاً على الموارد ولتقليل انبعاثات الكربون في الدولة. وتهدف الخطة إلى تخفيض احتياجات الطاقة في الأبنية والمنازل بنسبة 25%، وتقليل استهلاك المياه بنسبة 16%، والطاقة والمواد اللازمين لبناء الطرقات بنسبة 45%.

وأعلنت الإمارات 2023 عام الاستدامة، بما ينسجم مع هذه الجهود واستعداداً لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (كوب 28)، حيث تركز بشكل أكبر على الاستدامة البيئية، عن طريق إلهام العمل الجمعي من خلال الالتزام الوطني بممارسات الاستدامة خلال العام وبعده.

مدن مستدامة
تتمتع دولة الإمارات بتصنيف عالٍ في عدد الأبنية الحاصلة على شهادة الريادة في الطاقة والتصميم البيئي (LEED)، وتعمل على إنشاء وتمكين بيئة مواتية للاستثمارات الخضراء وتشييد أبنية صديقة للبيئة ومدن مستدامة في إمارات مختلفة.

وتشكل مدينة الشارقة المستدامة، من موقعها في ضاحية الرحمانية في إمارة الشارقة، إحدى هذه المبادرات، حيث تم تصميمها لتقليل انبعاثات الكربون بالاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة والتنقل الأخضر وإعادة استخدام النفايات والاعتماد على مواد بناء مستدامة. وتحظى المدينة بمكانة رائدة بصفتها مجمعاً سكنياً صديقاً للبيئة، ويشجع على اتباع نمط حياة متوافق مع المستقبل. فعلى سبيل المثال، تقوم المدينة بمعالجة مياه الصرف الصحي فيها بالكامل لري المساحات الخضراء، وتعمل على إعادة تدوير أكبر كمية ممكنة من النفايات لتجنب إضافة مزيد منها في المكبات. ويستفيد المشروع المستدام من مصادر الطاقة المتجددة، كما تم تجهيزه بمصنع للغاز الحيوي لمعالجة النفايات العضوية (بقايا الطعام والنفايات الخضراء والرواسب) وتحويلها إلى مصدر للطاقة (كهرباء و/أو طاقة حرارية). ويمكن استخدام نفايات المصنع سماداً للمساحات الخضراء.

وتعمل المدينة على تعزيز المشاركة المجتمعية وبناء القدرات من خلال العديد من البرامج التي تركز على الحياة المستدامة ودور الجميع في تقليل انبعاثات الكربون واستهلاك المياه. كما تسهم في تعزيز الصحة والرفاهية والزراعة المستدامة وإعادة استخدام النفايات.

آفاق المستقبل
يُعد مفهوم المدن المستدامة إحدى أكثر الوسائل فاعلية في تعزيز الحياة المستدامة في دول مثل الإمارات العربية المتحدة، لا سيما في ضوء الجهود المتسارعة التي تبذلها المدينة لتحقيق صافي صفر انبعاثات. إلا أن مشوار اعتماد هذا المفهوم على نطاق واسع في دول أخرى لا يزال في بداياته، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.     ويستمر قطاع البناء في النمو وكذلك تأثيره السلبي على البيئة، نظراً لأهميته الاقتصادية الكبيرة، غير أن تحقيق عالم مستدام بات قاب قوسين أو أدنى بفضل رؤية القيادة الحكيمة لدولة الإمارات، وتوظيف الإمكانات الكامنة في المواهب والابتكارات الناشئة.